الأربعاء، 19 مارس 2014

قصة الهاكر المغربي فريد الصبار



لم يكن يعلم فريد الصبار، الذي بلغ عمره 18 سنة خلال هذا العام، أنه سيصير متهما حسب المحاضر الأولية للتحقيق- بأشياء ثقيلة على شاب في مثل عمره، ومجرما حسب ما نشرته أغلب الصحف عنهم.… حين رجع فريد من روسيا العام الماضي إلى المغرب وباختياره الحر حسب ما يرويه والده محمد، الذي تمتلئ عيناه بالأسى على ما حصل لابنه، وبالسخط على ما كتب عنه، كان متحمسا متفائلا بهذه العودة.
لو لم أرجع به؟ 
يقول والد فريد بكثير من التحسر: "يا ليته لم يرجع لهذا البلد... لقد نصحته مئات المرات أن يبقى في روسيا، لأن الخروج من هذا الوطن يؤدي الناس عنه حياتهم لسمك البحر ولا يفكرون في الالتفات وراءهم... لكنه من فرط حبه لي لم يرغب في البقاء هناك في روسيا، وقرر العودة معي إلى المغرب والبقاء إلى جانبي، لكن حصل ما حصل
الاعتقال؟ 
كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا حين دفعوا الباب بقوة. كانوا ثلاثة عشر رجلا يلبسون نفس اللباس. لقد ذعرنا لما شاهدناهم.. تصور أن ثلاثة عشر رجلا اقتحموا المنزل وأثاروا ضجة كبيرة في الحي، لطخوا معها سمعتنا، وكل ذلك من أجل القبض على طفل صغير... لقد كان المنظر سرياليا وأنا أنظر إلى عددهم، وأقارنه بحجم ابني الضئيل..! لو طلبوه مني لسلمته بنفسي الى الشرطة. هل كان سيهرب؟. لم يثبتوا بأي وثيقة أنهم مكلفون بالقبض عليه رغم أني طلبتها منهم. لقد أجابوا وبكل برودة وقسوة معهودة فيهم: لدينا أمر من أمريكا بالقبض عليه! أخذوه وانسحبوا بسرعة… إنهم يفعلون ما شاؤوا دون أن يسألهم أحد. أنا أعرفهم جيدا فقد جربت الاعتقال السياسي في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1977 قبل أن أذهب إلى روسيا سنة 1979. ما زالوا على ما كانوا عليه، أما أنا فلن أعتبر نفسي معتقلا سياسيا، لأن الجميع صار يقبض ثمن اعتقاله ملايين. 
الاعتقال تم بسرعة. الشرطة حجزت كل أفلامه وأقراصه المضغوطة، وزادت على المحجوزات حاسوبه الشخصي. حتى هواتف أهل المنزل احتجزت، وخالته تقول:"لا أعرف ماذا سيفعلون بهواتفنا وبألعاب فريد؟! إن الولد بريء، وما كتب عنه كان فظيعا. لا أعرف من أين جاءت كل هذه الاتهامات؟ 
بطل أم مجرم؟ 
بعد الاعتقال وكتابة المحضر، استدعت مديرية الشرطة القضائية التابعة لولاية الأمن بالرباط، حسب تصريح أحد مسؤوليها، مجموعة من الصحافيين "لتوافيهم بالمعلومات الخاصة بهذه القضية المهمة"، كما يصفها المسؤول نفسه. الخبر انتشر كالنار في الهشيم. أغلب الجرائد التي كتبت عن فريد "الهاكر" تكتب ما سربته لها الشرطة، وبعناوين كبيرة: "الروسي المغربي الذي هاجم أنظمة معلوماتية وقنوات بأمريكا"، "هاكر مغربي يهاجم نظام ويندوز بفيروس". "شاب مغربي متهم بتكوين عصابة إجرامية على الأنترنيت"... التحقيق لم ينته بعد، وإحدى الجرائد تفوز بالسبق وتحكم على فريد الصبار بخمس سنوات سجنا!!... أغلب المعلومات عن الهاكز باعتبارهم قراصنه كانت خاطئة، والأخبار كما يقول والد فريد، كان فيها الكثير من اللبس والمزايدات. لقد تم إيهامه في قسم الشرطة على أنه بطل، لكن الجرائد تظهر أنه مجرم
... 
رد فعل العائلة
عناوين الجرائد أثارت حفيظة الأب، محمد الصبار، وباقي أفراد العائلة. حتى أخت فريد الوحيدة، والتي تصغره بقليل، استهزأت بما كتب. يقول الأب: "كيف استطاع هذا الشخص أن ينشر ما نشر. إني أعتبر هذا مساسا بالأخلاق المهنية. أنا متأكد أن أحدهم دفع النقود للحصول على صورة ابني، لقد كان يحمل بعض الصور في جيبه، وحين زرته في آخر مرة قال لي إنه فقد إحداها لما سلمها لي في يدي. إنها تلك الصورة المنشورة في إحدى الصحف. لقد حصل عليها أحدهم بطريقة غير مشروعة، وسأتابع هذه اليومية التي نشرتها. أنا لا أرغب في الحديث إلى الصحافة لأن الأمر ما زال بين يدي وكيل الملك. أحد الذين كتبوا عن ابني ذكر أني طلقت زوجتي! ما أدراه هو بحياتي الشخصية وحياة عائلتي؟! حين اتصلت به لأستفسر قال إنني أنا من امتنع عن الكلام! وحتى إن فعلت فهل يحق له أن يفعل ما فعل؟! إنه ينشر معلومات مغلوطة. لقد صارت سمعتي وسمعة عائلتي محط أنظار سكان الحي بأكمله، وما أدراك أن نسكن في حي شعبي كالذي أقطن فيه.
"البيتات" جزء من حي شعبي في الرباط لم يكن الوصول إلى بيت فريد الصبار أمرا سهلا إلا حين أخبرت الشرطة عن مكان سكنه "البيتات"، ويوجد بالمحاذاة مع حي G5، أحد الأحياء الشعبية المعروفة في العاصمة الرباط. المنطقة ليست بعيدة عن ساحل المحيط. وسكان الحي لا يعرفون فريد باسمه لأنه لا يخالط أحدا كما تقول عمته، لكن صاروا يعرفون، خاصة الشباب منهم، أن ابن حيهم الذي حقق معه مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، "قام بإرسال فيروس إلى مؤسسات أمريكية وخلق ارتباكا داخلها" بعدما قرؤوا ذلك في مجموعة من الصحف. البيت موجود بالقرب من أحد الأسوار التاريخية في نهاية منطقة البيتات، أو كما يسميه أهل الحي "الصور"، وهذا المنزل من المنازل ذات الطراز القديم في البناء وقريب من سوق الخضار. لم يكن أحد يعرفه من قبل إلا بعد مداهمة الشرطة للمنزل ونزول الخبر إلى الصحف
. الوقت ليلٌ ووالد فريد ليس موجودا بالمنزل، فقط ابنته الوحيدة وأخته (العمة) إضافة إلى الجدين باعتبار المنزل منزلهما وليس منزل والد فريد. تقول العمة: "إن فريد فتى طيب ولا يعرف معنى الجريمة!، إن ما كان يقوم به مجرد ألعاب." والده في أول اتصال هاتفي معه يقول: "لا أرغب في المجيء إلى المنزل... إنني أتهرب منه ومن بعض الصحافيين ومن نظرات الناس في هذا الحي الشعبي.. لا أريد الحديث في شيء الآن.
.. العبقري من الحي الشعبي
!! تضيف عمة فريد:"إنه ذكي منذ كان صغيرا. لم يخالط أبناء الحي ولا حتى أبناء الجيران. اليوم صار الكل يدعي أنه يعرفه، وأضحى الجميع يتحدثون عنه. أنظر هناك إلى نهاية الشارع، أترى أولئك المتشردين؟ حتى هم ادعوا أنهم عرفوا فريد حينما رأوا كاميرا التلفزيون تصور، وحتى الصورة التي نشرت عن المنزل ليست لمنزلنا!. إن الصديق الوحيد لفريد هو ألعابه والحاسوب
". فريد أحب التكنولوجيات الحديثة منذ كان صغيرا. حينما ازداد في العاصمة الروسية موسكو سنة 1987 من أبيه المغربي محمد الصبار وأمه الروسية "ستيبانوفا"، استطاع والده كما يقول، بفضل معرفته بالسفير المغربي لدى الاتحاد السوفياتي قبل الانهيار أن يسجله، بعد عودته من روسيا، في أحد المدارس الخاصة بحي السويسي بالرباط (مؤسسة عالم الصبيان) وكان عمره آنذاك ست سنوات، حيث كان يؤدي لتدريسه مبالغ مالية مهمة. فريد تفوق وحصل على أعلى النقط، وتميز في دراسته، وكانت أول مرة يتعرف فيها على الحاسوب داخل شركة والده للتصدير والاستيراد التي افتتحها بعد عودته إلى المغرب بـ"اعتبار الجو السياسي صار أكثر انفتاحا" يقول الصبار بنوع من التحفظ. كان الابن يحب العبث بالحاسوب كثيرا، ويتسبب في كثير من الأحيان في تعطيله، "لكن -يضحك محمد الصبار بنوع من الأسى- كنت أصلحه دائما رغم ذلك". ويضيف: "منذ ذلك الحين صار مولعا بكل ما يتعلق بالحاسوب والتكنولوجيا وصار يتقن الكثير من الأمور المتعلقة بالأنترنيت.. ليس بإمكاني أن أمنع عنه ما يحبه... لقد ندمت على عودتي إلى المغرب. صار ابني متهما بأبشع التهم! كيف يعقل أن طفلا يساهم في تكوين عصابة إجرامية أو إرهابية ويسرق بطائق ائتمان ويدمر برامج، كما يكتب عنه في الصحف؟! إن ابني هادئ وغير عنيف، ولا يفكر بهذه الطريقة، وهو غير محتاج للنقود كي يسرق!.. لقد قالوا عنه أشياء كثيرة لم تقلها حتى الصحف الأمريكية نفسها، ولا FBI نفسه، الذي لم يسلم محاضر التحقيق بعد.
عمليات الهاكر فريد
لقد كان فريد، حسب محضر الشرطة، مشاركا في سرقة نقود من الوكالة البنكية "ويستيرن يونيون" وبلغ المبلغ الأول 8 آلاف درهم والمبلغ الثاني 5 آلاف درهم، وهما العمليتان الوحيدتان اللتان قام بهما في المغرب حسب المحضر ذاته، إضافة إلى عملية أخرى قام بها لما كان في موسكو، حيث سحب بواسطة جهاز يفك أرقام بطاقات الائتمان السرية 500 روبل روسي، أي ما يعادل 190 درهما، وهو مبلغ حصل عليه فريد بعد عودته للمرة الثانية إلى روسيا لدراسة اللغات الحية هناك، حيث صارت تقنياته ومهاراته تتطور بسرعة. كون علاقات مع مجموعة من الهاكرز المعروفين على أحد مواقع الشات ويدعىسMirckس. بقيت علاقات فريد، حسب المحضر مرتبطة بهؤلاء الأشخاص لما رجع للمغرب، واستمر في القيام بعمليات من نوع شراء مواد استهلاكية عبر الشبكة -في إطار ما يسميه المحضر على لسان فريد- بالتحدي الشخصي لإثبات المهارات التقنية في الاختراق أمام الهاكرز الآخرين.
. أمريكا على الخط
هذه العمليات التي كان يقوم بها فريد، حسب المحضر، لم يكن يعلم أنها ستجلب عليه المشاكل حينما سيظهر الفيروس "Zotob". هذا الفيروس الذي هاجم مجموعة من مواقع وأنظمة القنوات الأمريكية ظهرت نسخته الأولى عند أحد الهاكرز البريطانيين تحت اسم "مايدوم". بعد ذلك تحول اسم هذا الفيروس إلى "مايطوب"، لما استبدله البريطاني مع Diablo2 المغربي (وهو الاسم المستعار لفريد) مقابل الأرقام السرية لبعض بطائق الائتمان، فأدخل عليه بعض التحسينات والتغييرات.
سيقوم فريد بدوره بإرسال هذا الفيروس إلى صديقه الافتراضي في تركيا بنفس المقابل لكي يدخل عليه هو أيضا بعض التغييرات فيسميه "زوطوب". سيقرأ فريد على أحد المواقع، حسب ما جاء على لسان والده، أن "زوتوب" يهاجم مؤسسات أمريكية فيقوم بالاتصال بالتركي ليستفسر عن الأمر. هذا الأخير سيخبره أن الشرطة الدولية (الأنتيربول) تبحث عنهما. سيقوم فريد بتغيير اسمه المستعار من "ديابلو2" إلى "كا 09" "لأنه كان خائفا من شيء لم يقم به"، كما يقول والده. لكن مكتب التحقيقات الفدرالي ضبط الاثنين معا حينما حدد مصدر الفيروس عن طريق اسم الحاسوب الذي يكون عبارة عن أرقام تسلسلية. تمت مراقبة فريد داخل المغرب إلى أن جرت مداهمة البيت في الصباح الباكر قبل أكثر من أسبوع.
يشير محضر المعاينة التقنية إلى أن الحاسوب الذي كان يستخدمه فريد، قد أمكن استرجاع ما يقارب 60 ألف ملف من ذاكرته، كان قد تم مسحها قبل حجز الحاسوب الشخصي من نوع ASUS، وذلك بمساعدة برنامج متخصص في استرجاع الملفات المفقودة وترميمها.
. وقد كشف الفحص التقني للحاسوب الذي قامت به فرقة متخصصة في المعلومات داخل جهاز الأمن، حسب ما جاء في المحضر دائما، أن فريد الصبار كان يرتبط بالأنترنيت تحت اسم مستعار هو Diablo2، مرفق بصورة مكتوب عليها Zotob Owner، إضافة إلى ملفات معلوماتية تتعلق بالشفرة المصدر، Code Source، لبرنامج معلوماتي. وتؤدي برمجة هذه الشفرة وتجميعها إلى تشكيل تطبيقٍ معلوماتي تحت اسم"Zotob"
هل فريد إرهابي؟ 
تضخيم ملف فريد من طرف بعض الصحف جرى بسرعة حتى قبل انتهاء التحقيقات الفعلية، والتي يقوم بها مكتب التحقيقات الفدرالي، والذي لم يدل بأي تصريح بشأنها حتى الآن. أما محاضر الشرطة المغربية فهي ما زالت أولية بالنظر إلى البعد الدولي الذي اتخذته القضية. 
فالفيروس الذي ساعد فريد الشخص التركي، "أتيلا أكيسي" في إنشائه هاجم نظام التشغيل "ويندوز 2000 " بقناة "سي إن إن" الأمريكية، وطال كذلك قناة "إي بي إس"، إضافة إلى صحيفة "نيويورك تايمز" ، وكذلك شركتي بوينغ للطيران وكاتربلار للصناعات الثقيلة… كل تصريحات فريد التي جاءت في محضر التحقيق، كان يؤكد فيها على عدم قدرته على الوصول إلى هذا القدر من الذكاء في غياب ما يكفي من الآلات، فالأمر حسب فريد يتطلب الكثير من التقنيات والأجهزة والأشخاص، لإتمام مثل هذه الأعمال. وهو أمر مستحيل بالنسبة له، باعتباره لم يمتلك إلا جهاز كومبيوتر وحيدا اقتناه من "السويقة" بالرباط بعد عودته من روسيا. أما التركي "أتيلا" فيملك حسب فريد، كل هذه الإمكانيات للقيام بهذه العملية، إضافة إلى أنه هدد فريد إذا هو بلغ عنه أو سرب شيئا حول "زوتوب" للأنتربول.
لماذا هذه الضجة إذن؟ 
لم يكن تدخل مكتب التحقيقات الفدرالي أمرا هينا أو عاديا، فالحرب الافتراضية الدائرة على شبكة الأنترنيت بين هاكرز الولايات المتحدة وهاكرز الكثير من الدول العربية، ودول الشرق الأقصى، ازدادت بعد أحداث 11سبتمبر 2001، وصارت الولايات المتحدة الأمريكية تتخوف من هجمات افتراضية من طرف الجماعات "المتطرفة" والمنظمات "الإرهابية" على أنظمتها المعلوماتية. فبوش أعلن شهرا بعد هذه الأحداث عن تكوين لجنة خاصة لمحاربة "الهاكرز السود" كنوع من الحرب الوقائية على الشبكة. وهو أمر أرق الإدارة الأمريكية على مدى سنوات. مما زاد في تضخيم الملف، إلى جانب تخوف أمريكا من الهجومات الإرهابية، جمع "فريد الصبار" بين صفتي العربي (من المغرب) والروسي (المزداد في موسكو)، وكلا الشعبين (العرب والروس) علاقتهما غير جيدة بالولايات المتحدة بوقائع تاريخية ملموسة.
وتم الحكم  على فريد بالسجن عامين.


EmoticonEmoticon